[6:32:00 م
|
0
التعليقات
]
عبد السلام بنعيسي
Tuesday, June 14, 2011
تشير بعض التسريبات المتسللة من مطبخ اللجنة المكلفة بتعديل الدستور إلى أن المقترحات التي رفعتها هذه اللجنة إلى الملك محتوية للتعديلات التي تراها مناسبة، تتضمن في فقرات منها ما ينص على أن هوية المغرب أمازيغية إسلامية، وأنه يتضامن مع الشعوب العربية، أي أن المكون العربي في الهوية المغربية سيتم إلغاؤه وشطبه، وأن العلاقة التي ستجمعنا بأشقائنا العرب ستكون في الدستور الجديد، مجرد علاقة تضامن معهم، لا غير.
من الجائز أن تكون هذه التسريبات غير دقيقة ولا تتضمنها التعديلات المقترحة، ومن الجائز أيضا أن تكون تسريبات صحيحة، ويُقصد نشرها في العموم، كبالونات اختبار ومن أجل جس النبض، أو ربما لإعداد الرأي العام لتقبلها في حال تبنيها رسميا..
تأسيس شركات لدبلجة الأفلام والمسلسلات الأجنبية لعرضها في قنواتنا التلفزيونية بالدارجة، وإصدار صحف بهذه اللغة، والترخيص بإنشاء إذاعات لا تخاطب المستمعين إلا بواسطتها، وتخصيص ندوات للترويج إلى كونها لغة المغاربة، وأنها هي المؤهلة للتعبير عن حاجياتهم وتطلعاتهم، والهجمة الشرسة على اللغة العربية الفصحى المستعرة منذ سنوات في وسائل الإعلام، والتهميش الذي تعاني منه في الإدارة وفي العديد من المؤسسات الخاصة والعامة، وربط الإرهاب والتشدد والتطرف بالعالم العربي... هذه المعطيات مجتمعة وغيرها تدفع إلى أن يُؤخذ على محمل الجد ما يتم تداوله فعلا من أن لدى بعض اللوبيات النافذة في بلدنا مساع محمومة لضرب المكون العربي في الهوية المغربية، ومحوه دستوريا منها.
غير أن الذي ينساه هؤلاء هو أن المكون العربي في الهوية المغربية موجود في التاريخ، وفي الدين الإسلامي الذي جاء به العرب منذ أكثر من 12 قرنا إلى هذه الأرض الطيبة، المكون العربي موجود في الفضاء العام، في أشجار النخيل، وفي المطبخ، وفي الملبس، وفي الأدب، وفي الموسيقى، وفي الوجدان الشعبي المغربي، وفي العادات والتقاليد، وفي اللغة العربية التي تشكل القاسم المشترك بين الأغلبية المطلقة من المغاربة، وفي التراث العربي المكتوب والمتداول منذ مئات السنين في وطننا.
هوية المغرب عربية أمازيغية منذ أكثر من 12 قرنا. إنها كذلك بالانصهار التام والشامل الحاصل بين العرب والأمازيغ في الحياة الاجتماعية بالمغرب، وفي الاختلاط والتزاوج، وفي التحول الذي حصل لدى قبائل عربية تمزغت، وقبائل أمازيغية تعربت، وفي النضال المشترك ضد الاستعمار الأجنبي سواء كان الأجنبي تركيا أو برتغاليا أو إسبانيا أو فرنسيا.
المكون العربي في الهوية المغربية معطى لا يحتاج المرء إلى أن يقدم الدليل حول وجوده. فالمغرب كيان عربي ومسلم وأمازيغي. هوية بلد من البلدان لا تتحدد بالسياسة، أو بقرار يتم اتخاذه من فوق، إنها أمر واقع يستحيل تجاهله أو إنكاره، إنها صيرورة مستمدة من التاريخ وممتدة فيه.
إذا قررت جهة ما أن تجعل من هوية المغرب غير هويته التاريخية، إذا افتقر المغرب إلى واحد من المكونات الثلاثة التي تشكل هويته والتي هي مزيج من العربية والأمازيغية والإسلام، فإن المغرب سيصبح كيانا آخر غير المغرب. يمكن إطلاق اي اسم عليه عدا المغرب، ويمكن أن يشكل ذلك خطرا على المغرب وعلى مؤسساته الدستورية.
الذين يريدون أن ينزعوا عن هوية المغرب مكونها العربي، ويكتفون بالتنصيص على المكون الأمازيغي، من الذي يضمن لنا أنهم سيستمرون بقبول أن يكون على رأس دولتهم ملكا عربيا؟ من الذي يضمن لنا أن لا تظهر في المستقبل من بين ظهرانيهم فئة تلجأ إلى الاستعانة بدعم الخارج الأوروبي أو الأمريكي أو الإسرائيلي في محاولة منها للتشكيك في شرعية المؤسسة الملكية بالمغرب، على اعتبار أن مكون الهوية المغربية أمازيغي، ويتعين أن يكون على رأس دولته أمازيغي أيضا؟
قرصنة البعد العربي في الهوية المغربية وطمسه سيؤدي إلى الافتراء على هويتنا، وإلى اختزالها وتشويهها، وبترها عن تاريخها وعن حقيقتها، ولذلك لن يفلح القائمون على هذه القرصنة في مسعاهم الخائب هذا. الشعب المغربي متشبث بهويته العربية الأمازيغية الإسلامية. لا يمكنه أن يسمح لأي قوة سواء كانت في الداخل أومن الخارج أن تتلاعب بها.
الهوية المغربية خط أحمر. الشعب الذي قاوم الاستعمار وطرده من ديارنا، والذي تصدى للأوفقيريين وللدلميين وللبصريين، وقاوم مخططاتهم وهزمها، قادر على أن يقف في وجه الذين يفكرون في المس بهويته الحقيقية، ولن يقبل منهم أن يُلبسوه هوية على مزاجهم الخاص. كل محاولة في هذا الباب مآلها الفشل الحتمي، وستكون مغامرة غير مدروسة، وقد ترتد على أصحابها بأوخم العواقب، حتى وإن تم التنصيص عليها في الدستور.
0 التعليقات
إرسال تعليق
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها