| 0 التعليقات ]



 مصطفى هطي


الاستبداد في مفهومه البسيط هو الاستفراد برأي وحيد واعتباره صحيحا مطلقا وحلا وحيدا لجميع الاشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولعل أبشع استبداد عاشه العالم العربي والإسلامي " إنما هو في هذه العصور التي غدت شرعية الحكم فيها في العالم الاسلامي لا تستمد من الاسلام وأمته. بل من الولاء والتبعية للغرب..." (محمد عابد الجابري، "العقل الأخلاقي العربي – دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية". مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت لبنان ط 1 2001 ص 630(.
وإذا كان هذا النوع من الاستبداد السياسي الذي أطاح به الربيع العربي والإسلامي خطيرا فإن الاخطر منه هو ذلك الاستبداد الاعلامي والفكري الذي تكرسه القناة الثانية 2M في برامجها التلفزية والذي ازداد تكريسه في الحلقة الاخيرة من برنامج "مباشرة معكم" ليوم 21 مارس 2012 م الذي خصص حلقته للفصل 475 من القانون الجنائي المغربي (من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة بدون عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم). وذلك على خلفية انتحار القاصر أمينة الفلالي.
1 ـ الاستبداد في البرنامج وتركيبة ضيوفه.
لقد بلغ عدد ضيوف هذه الحلقة من برنامج مباشرة معكم ـ على عادة البرنامج ـ ستة ضيوف , اثنين منهما يمثلان على التوالي كل من وزارة العدل والحريات بممثل عن مصلحة الموارد البشرية وممثلة لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن. وباقي الضيوف الأربعة هم على التوالي أحمد عصيد بصفته باحثا وفاعلا جمعويا وفوزية العسولي رئيسة فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق النساء ونزهة العلوي عن اتحاد العمل النسائي ونادية القادري بصفتها أخصائية نفسانية.
إن قراءة هذه التركيبة المقصودة لضيوف البرنامج تبرز بوضوح ابشع صور الاستبداد الاعلامي والفكري. أولا لأن 2M أرادت إيهام المشاهد بتعدد الاراء من خلال جانب يمثل الحكومة مقابل جانب يمثل المجتمع المدني وهذا باطل شكلا ومضمونا. فعلى مستوى الشكل فإن عدد الضيوف بناء على ثنائية حكومة / مجتمع مدني غير متكافئة لان عدد الضيوف الممثلين للحكومة اثنان مقابل ثلاثة ضيوف للمجتمع المدني الذين انضافت لهم الاخصائية النفسية في أفكارهم ولم تلتزم بتحليل ظاهرة الاغتصاب والعنف ضد المرأة من منظور نفسي صرف.وعلى مستوى المضمون فإن القضية المثارة في البرنامج (الاغتصاب والعنف ضد المرأة) قضية ذات أبعاد فكرية وثقافية معقدة ولا يمكن لممثلي الوزارتين التعبير عن آرائهما بحرية لأنهما حاضرين بالصفة الوزارية مما يفرض عليهما في الخطاب الالتزام بصفتهما وهذا ما يفسر اكتفاؤهما في البرنامج بالتلميحات الى تعقيدات القضية وتركيبها في حين ان صفة تمثيل المجتمع المدني التي حضر بها الضيوف الثلاثة والأخصائية النفسية تسمح لهم بإبراز آرائهم الفكرية والاديولوجية.
وثانيا لأن الضيوف الثلاث الحاضرون بصفات المجتمع المدني موحدون في الايديولوجية التي يقاربون بها قضية الفتاة المنتحرة والعنف ضد المرأة , هذه الايديولوجية التي تمتح من المرجعية الكونية والاتفاقات الدولية المبنية على نظرية الحقوق الجديدة الهادفة الى تحقيق المساواة المثلية التي تتساوى فيها كل عناصر الكون الطبيعية مع الانسان بصرف النظر عن الخصوصيات البيولوجية والنفسية وحتى السن حيث تتساوى حقوق الحيوان مع حقوق الإنسان وحقوق الرجل والمرأة والطفل بشكل تصادمي ومنفصل يغيب مفهوم الاسرة ويحصر المقاربة في البعد الجنسي فقط.
ولم يقتصر الاستبداد على ضيوف البرنامج بل تجاوزه الى البرنامج نفسه من خلال الريبورتاج الذي ظهرت فيه وجهة نظر وحيدة تتقاسم ضيوف البرنامج عن المجتمع الدني قناعتهم الفكرية والاديولوجية. بل تعدى ذلك الامر الى مصور البرنامج الذي يسلط آلة تصويره على نوعية من الحاضرات يمثلن شكلا الثقافة الحداثية.
وهذا الاستبداد البشع هو الذي احس به مقدم البرنامج فحاول بين الفينة والأخرى توجيه اسئلة نقدية لممثلات المجتمع المدني خصوصا عندما ركزن على العقوبة الحبسية في حق المغتصب.
وكان على مقدم البرنامج في إطار تعدد الاراء داخل المجتمع المدني المغربي في قضية الاغتصاب خصوصا وفي القضية النسائية عموما ان يستضيف الى جانب من يمثل المرجعية الكونية والعلمانية , من يمثل المرجعية الاسلامية فضلا عن ممثلي الحكومة ليكون الرأي والرأي الاخر على مستوى المرجعيات والإيديولوجيات.
2 الاستبداد الفكري.
كرسه في البرنامج كل من الباحث والفاعل الجمعوي أحمد عصيد ورئيسة فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق النساء وممثلة اتحاد العمل النسائي الذين يرون أن رأيهم هو الحل الوحيد والمطلق للقضاء على الاغتصاب والعنف ضد النساء وهذا الرأي هو تطبيق العقوبات والاتفاقيات الدولية في المساواة وتغيير العقليات ومحاربة النصوص التي تكرس برأيهم التخلف والصورة السلبية على المرأة ويقصدون بتلك النصوص ـ كما صرح احمد عصيد ـ النصوص الدينة حتى ولو كانت قرآنا أو حديثا. ولا غرابة في ذلك لأن المرجعية الكونية ونظرية الحقوق الجديدة والحريات الفردية أقدس عند هؤلاء من القرآن الكريم والحديث النبوي وهي تمثل لهم دينا مقدسا كما يشير الى ذلك الفيلسوف طه عبد الرحمن في كتابه " روح الدين .. من ضيق العلمانية الى سعة الائتمانية " حيث أكد ان الافكار التي تؤمن بها التيارات الحداثية والعلمانية أصبحت مقدسة وبالتالي أضحت دينا مقدسا عندهم.
وكانت بطلة الاستبداد الفكري في حلقة البرنامج هي ممثلة فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق النساء التي استبدت واستفردت برأيها واعتبرته حلا مطلقا وحيدا لحل مشكل الاغتصاب والعنف ضد المرأة فلم تترك الفرصة حتى لممثلي الوزارتين لشرح موقفهما وخصوصا ممثلة وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة عندما هاجمت العسولي فكرة فتح نقاش عمومي يأخذ بعين الاعتبار كل الحساسيات الفكرية والثقافية داخل المجتمع المغربي معتبرة أن فتح مثل هذا النقاش لن يقدم حلولا حداثية بل سيزيد من ضحايا العنف والاغتصاب وان الحل في نظرها هو تطبيق ما تجود به أفكارها الحداثية حول هذه القضية في استفراد مطلق وتكريس للرأي الوحيد.
3 تكريس الاباحية الجنسية.
تكرس ذلك في استنكار ممثلي المجتمع المدني من الضيوف الثلاثة ثقافة المغاربة حول غشاء البكرة واعتبار ذلك تخلفا وعقلية يجب تغييرها وألا تحاسب الفتاة من قبل الرجل على فقدان البكرة عوض دعوة الرجل هو الاخر إلى العفة. ومعنى ذلك هو إباحة الجنس وشرعنة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج تحت عناوين التربية الجنسية والحرية الفردية وحرية تصرف المرأة في جسدها. والأخطر أن ممارسة الدعارة اصبحت عند هؤلاء عملا يدخل ضمن الخدمات الاجتماعية تحت مسمى "عاملة جنس"!! وقد ذهب أحمد عصيد، في تصريح لـ "إيلاف"، إلى أن "هناك، حسب ما توصلنا إليه من المكان عينه، نساء تم ترحيلهن من عين اللوح، وقيل لهن إنكن لستنّ من المنطقة، وعليكنّ المغادرة." في حين ان الامر حسب وسائل الاعلام يتعلق بمحاصرة منازل كانت تؤوي عاهرات في حالة تلبس رفقة زبائن انتفض سكان عين اللوح الامازيغ الاحرار على ظاهرة عمرت منذ الاستعمار وخربت المنطقة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا.
خلاصة
يستنتج المتتبع لبرامج القناة الثانية التي تعيش على جيوب المواطنين أن 2M أصبحت رهينة لدى القوى الحداثية العلمانية وأنها تمثل القاعدة الخلفية لهذه القوى التي ترسل منها سهامها الهدامة الى المجتمع المغربي وخصوصا فئاته الشابة مكرسة استبدادا اعلاميا وفكريا وفنيا وثقافيا مما يستدعي تحركا عاجلا لإصلاح هذا النوع من الاعلام الفاسد والحد من تمويل المواطن لقناة لا تمت لهويته بصلة.
ذ. مصطفى هطي
hte_66@hotmail.com

0 التعليقات

إرسال تعليق

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها